ایکنا

IQNA

مصحف "الروهينغيا"؛ ترجمة لإحياء لغة أقلية مضطهدة

10:05 - November 09, 2025
رمز الخبر: 3502348
إکنا: مشروع ترجمة القرآن إلى اللغة الروهينغية جاء في ظلّ استهداف المسلمين الروهينغيا لعدة عقود بالاضطهاد والتهجير من أراضيهم، بهدف تعويض نقص المعرفة حول الإسلام ومكافحة قمع لغة الروهينغيا.

إنّ الروهينغيا مجموعة عرقية لغوية هندية ـ آرية أغلبهم من المسلمين، يعيشون في ولاية "راخين" غرب ميانمار، ويُقدّر أنه قبل الإبادة الجماعية عام 2017 م، التي فرّ خلالها أكثر من 740,000 منهم إلى بنغلاديش، كان يعيش في ميانمار حوالي 1.4 مليون روهينغي.

قبل عام 1989 م، كانت هذه الولاية تُعرف باسم "أراكان"، وهو الاسم التاريخي لمنطقة تمتد على طول الساحل الشمالي الشرقي لخليج البنغال وتشمل أيضاً جزءا من بنغلادیش الحالية، المجلس العسكري الذي وصل إلى السلطة عام 1988 م، غيّر إسم الولاية كـ جزء من جهوده لعزل ميانمار عن جارتها ذات الأغلبية المسلمة، واختار عمداً اسم مجموعة عرقية أغلبها بوذيون، وهي "راخين"، وكان هذا جزءا من مشروع قومي عنصري وخطوة أخرى في التاريخ الطويل لمحاولات محو الروهينغيا من تاريخ ومجتمع ميانمار.

منذ تولي أول مجلس عسكري السلطة في عام 1962 م، تمّ حرمان الروهينغيا بشكل منهجي من الحقوق المدنية والسياسية، بحجة أنهم ليسوا برميين فعليين، بل مواطنون بنغلادشيون ومهاجرون غير قانونيين إلى ميانمار.لقد عانوا من نقص التعليم والبنية التحتية والرعاية الصحية والتنمية الاقتصادية، وكل ذلك تم حرمانهم منه عمداً.

وأدت الموجة الأولى من الاضطهاد العنيف إلى لجوء مئات الآلاف إلى بنغلاديش عام 1978 م، وقد سُمح لمعظمهم لاحقًا بالعودة بعد اتفاق العودة إلى الوطن الذي أبرمته منظمة الأمم المتحدة.


إقرأ أيضاً:


قارن بعض الأكاديميين والمحللين والشخصيات السياسية، بمن فيهم الأسقف ديزموند توتو، الحائز على جائزة نوبل وناشط مناهض للفصل العنصري من جنوب إفريقيا، الظروف التي يواجهها الروهينغيا في ميانمار بالفصل العنصري. أدت آخر موجة نزوح جماعي للروهينغيا في عام 2017 م إلى قيام المحكمة الجنائية الدولية بالتحقيق في جرائم ضد الإنسانية والمحكمة الدولية للعدل بالنظر في القضية على أنها إبادة جماعية.

في مثل هذه الظروف، تم تنفيذ مشروع ترجمة القرآن الكريم إلى اللغة الروهينغية بهدف تعويض نقص المعرفة حول الإسلام ومواجهة قمع هذه اللغة.

وبدأ هذا المشروع من قبل "قطب شاه"، وهو من الروهينغيا ويواصل دراسته لنيل درجة الدكتوراه في تخصص الأديان المقارنة في الجامعة الإسلامية الدولية في ماليزيا.

وتعاون مع مكتبة "ركن الدعوة"(Dakwah Corner Bookstore)، وهي دار نشر دعوية دينية في "بيتالينج جايا" إحدى ضواحي كوالالمبور، والتي تتخصص في المعارف الإسلامية باللغة الإنجليزية.

ونظراً لأن اللغة الروهينغية نادراً ما يتم استخدامها كتابياً، قرّر هذا الفريق اتخاذ خطوة غير معتادة وهي تقديم ترجمة شفهية للقرآن الكريم إلى اللغة الروهينغية أولاً قبل البدء في إنتاج ترجمة مكتوبة.

لذلك بدأ فريق الترجمة بإنتاج مواد صوتية ومرئية. وفي القيام بذلك، استخدموا عدداً من تفاسير القرآن والترجمات الإنجليزية والأردية والبنغالية والبورمية التي نشرها مجمع "الملك فهد" لطباعة المصحف الشريف في المدينة المنورة. 

وبدأ العمل على الترجمة الشفوية للقرآن في أوائل عام 2021 م وانتهى في أغسطس 2023 م. يمكن للمستخدمين الاختيار من بين ملفات صوتية ومرئية احترافية تجمع بين تلاوة القرآن مع الترجمة الشفوية باللغة الروهينغية.

واستخدم فريق المشروع تلاوة "محمد أيوب"، العالم الديني الذي وُلد في مكة المكرمة من والدين لاجئين من الروهينغيا، وأصبح لاحقاً إمام مسجد النبي (ص) في المدينة المنورة.

لذلك، كانوا يهدفون حتى في التلاوة إلى إنشاء صلة مع مجتمع الروهينغيا، كما أن الترجمة تُقرأ بصوت "قطب شاه"، الذي كان أيضاً المترجم الرئيسي.
مصحف
والملفات الصوتية والمرئية متوفرة في تطبيق "قرآن الروهينغيا" الذي تمّ تطويره لنظامي iOS وAndroid، وكذلك على الموقع الإلكتروني للمشروع (https://rohingyaquran.com)، ويوتيوب ومختلف وسائل التواصل الاجتماعي.

استناداً إلى الترجمة الشفوية، يجري حالياً إنتاج نسخة مكتوبة بخط "حنیفي"، والتي غطت حتى الآن السور الخمس الأولى.

وأشار فريق الترجمة إلى أنهم واجهوا العديد من التحديات في تنفيذ هذا المشروع، أولها تاريخ اضطهاد لغة الروهينغيا. لقد كتبوا: "على الرغم من أن نظام الكتابة تطور في أواخر السبعينيات من القرن الماضي، إلا أن شعبيته توقفت بسبب تعرض متحدثيها لإبادة جماعية منهجية. ومن ثم لا توجد أدبيات أو أعمال فكرية بهذه اللغة حتى أصبحت لغة شبه ميتة. استخدام هذه اللغة هو فقط لاحتياجات حياتهم اليومية. كانت الكتابة في وطنهم محظورة، وأولئك الذين كانوا في الغربة كانوا يكافحون أيضًا من أجل البقاء وتأثروا باللغات المحلية. اختفت العديد من المصطلحات، بينما تم استبدال العديد منها بمصطلحات من لغات أخرى."

ربما كانت ترجمة القرآن إلى هذه اللغة المستهدفة هي المحاولة الأولى لترجمة مثل هذا النصّ إلى اللغة الروهينغية. تتضمن هذه المشكلة ثلاثة جوانب: ترجمة الكلمات والجمل والفصاحة. في هذا الصدد، يتم التشاور مع العديد من الأشخاص ذوي الخبرة اللغوية والثقافية والجغرافية والدينية. في بعض الأحيان، لترجمة بعض الكلمات المحددة، يلزم عدة كلمات أو عبارة أو حتى جملة. لقد كان عملاً صعباً ولكنه كان ناجحًا في النهاية. لقد استغرق الأمر وقتًا أطول مما كان متوقعًا.

وتقوم مكتبة "ركن الدعوة" في ماليزيا حالياً بجمع التبرعات لإكمال المشروع والهدف هو طباعة 2000 نسخة وتوزيعها في ماليزيا وبنغلاديش والسعودية.إن إنتاج مثل هذا العدد المحدود هو مثال على التحدي المتمثل في ترجمة القرآن إلى لغات تستخدم بشكل أساسي شفهياً، وهذا يجعل قرار فريق المشروع بإنتاج ملفات صوتية ومرئية احترافية أكثر ابتكاراً وأهميةً.

وفي المجتمعات المهمشة ذات الأغلبية المسلمة مثل الروهينغيا، هناك إمكانية لخلق تعايش بين المشاريع اللغوية وحملات الحفاظ على الثقافة وجهود نشر الإسلام وتعليمه. مشروع قرآن الروهينغيا هو أحدث مثال على ذلك، ولكنه بالتأكيد أحد أكثرها إثارة للإعجاب نظراً للدقة والاحترافية التي تم بها تنفيذه. إن استخدام التكنولوجيا الحديثة فيه لا يساعد فقط في توزيع ترجمة القرآن نفسها، بل يساعد أيضاً في تطوير وتوحيد لغة الروهينغيا. وهذا مثال ممتاز على كيف أن الاتجاه الحالي لترجمة القرآن إلى عدد متزايد من اللغات يلعب دوراً مهماً في الحفاظ على التنوع اللغوي في العالم.

4299046

captcha